سورة التوبة ٩: ٧٢
{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}:
{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}: وعد من الوعد.
الوعد: ما يلزم الشخص نفسه بالفعل، ومن دون شرط، ويرتب على عدم القيام به التوبيخ؛ فالوعد يقضي الإنجاز، وإذا أطلق ولم يتقيد يأتي عادة في سياق الخير، كما يأتي الوعيد في سياق الشر، والوعد: قد يكون مؤقت، أو غير مؤقت.
{جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: أيْ: تنبع من تحتها؛ جنات: جمع جنة، ومنها جنات الفردوس، وجنات عدن، وجنات النّعيم، ودار السّلام… وغيرها.
{خَالِدِينَ فِيهَا}: ارجع إلى الآية (٦٨) من نفس السّورة.
{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ}: جنات عدن؛ تعني: جنات الإقامة الدّائمة، جنات كما جاء في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فيها ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}: رضوان: مصدر لفعل رضي يرضى، ورضوان من الله أكبر: جملة اسمية؛ تدل على الثّبوت. مقارنة رضي الله عنهم، ورضوا عنه: ارجع إلى سورة آل عمران، آية (١٥)؛ لمعرفة معنى: رضوان.
{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}: أكبر من الجنات، والمساكن الطّيبة، وجنات عدن، وكل ما فيها.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}: ذلك: اسم إشارة، واللام: للبعد. هو: ضمير الفصل؛ يفيد التّوكيد.
فلما كان هناك رضوان من الله أكبر من الجنات ناسب ذلك استعمال هو: ضمير الفصل.
{الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}: أعظم أنواع الفوز، وليس هناك أفضل من الفوز العظيم. ارجع إلى سورة النساء آية (٧٣) لمزيد من البيان في معنى الفوز العظيم وأنواع الفوز أو درجاته والفروق.
لنقارن هذه الآيات الثّلاثة من سورة التّوبة:
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية (٧٢): فيها توكيد واحد: هو ضمير الفصل، هذا الفوز أعظم من الفوز العظيم، ولكنه أقل درجة من {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية (٨٩): ليس فيها توكيد؛ الفوز العظيم.
{وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية (١١١): فيها توكيدان: الواو+ هو؛ الفوز العظيم هذا: هو أعلى درجات الفوز، ويتضمن جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة، ورضوان من الله، والخلود فيها أبداً. انظر إلى السياق في الآيات الأخرى؛ فهي أقل من ذلك.
فالآية (١١١): جاءت في سياق الجهاد في سبيل الله، ويَقتلون، ويُقتلون.
والآية (٨٩): جاءت في سياق الجهاد في سبيل الله، ولم يقاتلوا، أو يقتلوا (كما حدث في تبوك… وغيرها).
والآية (٧٢): جاءت في سياق المؤمنين، والمؤمنات الّذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويأتون الزكاة.
لنقارن الآية (٧٢) مع الآية (١٠٠) من سورة التّوبة:
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ}.
فقوله تعالى في الآية (٧٢): {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}: يشمل جنات، ومساكن طيبة، ورضوان من الله، وتجري من تحتها الأنهار.
١ - هذه أعلى منزلة من الّتي وردت في الآية (١٠٠)، والّتي تخص السّابقون الأولون، والذين اتبعوهم (ليس فيهم الأنبياء).
٢ - {تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا}: أفضل من: {تَجْرِى تَحْتَهَا}: تدل على الثّبوت.
٣ - {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}: جملة اسمية؛ أفضل من: {رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}: جملة فعلية تدل على تجدُّد الحدوث.
سورة التّوبة الآيات ٧٣ - ٧٩