سورة النحل ١٦: ١٢٥
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}:
بعد أن أمر الله سبحانه نبيه محمّد باتباع ملة إبراهيم حنيفاً؛ جاءت هذه الآية لتبين كيف يتم منهاج الإتباع، وبالتّالي الدّعوة إلى دين الله وشرعه.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}: ادع: من الدّعوة، والدّعوة كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية: الدّعوة إلى الله: هي الدّعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا.
وقيل: الدّعوة إلى الله: تتضمن الأمر بكلّ ما أمر الله به، والنّهي عن كلّ ما نهى الله عنه.
وقيل: الدّعوة: هي إبلاغ النّاس، ودعوتهم إلى الإسلام بالوسائل، والأساليب المناسبة لكلّ زمان، ومكان.
{سَبِيلِ رَبِّكَ}: هو الإسلام؛ أيْ: دين ربك، والإسلام كما جاء في حديث جبريل -عليه السلام- حين قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أخبرني عن الإسلام؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحج إلى البيت إن استطعت إليه سبيلاً». رواه مسلم عن عمر بن الخطاب.
والإسلام لغةً: يعني: الخضوع، والاستسلام، والانقياد لله رب العالمين اختياراً لا قسراً؛ أي: الخضوع الاختياري لله رب العالمين.
وقيل: هو مجموع ما أنزل الله سبحانه على رسوله محمّد -صلى الله عليه وسلم- من أحكام العقيدة والشّريعة، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات في القرآن والسّنة.
{بِالْحِكْمَةِ}: لها تعريفات كثيرة منها: هي إصابة الحق بالعلم، والعقل، وقد تعني: النّبوَّة والرّسالة.
وقيل: هي القرآن، أو الفقه في الدِّين، ومعرفة الأحكام، والتّفسير، والتّأويل، وتطلق على الحق، وعلى البصيرة، والإصابة في القول والفعل.
وقيل: هي القول المناسب في الوقت المناسب، والأسلوب المناسب. وقد تعني: مزيج من كلّ هذه التّعاريف؛ أي: الصّواب، والسّداد، والحق، والعلم، والعدل، والحلم، والقرآن، والسّنة، والباء بالحكمة تعني: باء الإلصاق، والاستعانة.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}: والموعظة: مأخوذة من الوعظ، وهو زجر مقترن بتخويف.
وقيل: التّذكير بالخير بأسلوب التّرغيب، والتّرهيب، والموعظة تشمل: القول، والفعل، والنّصح بالطّاعة، والعمل الصّالح، والإرشاد إلى الخير، والتّذكير بالثّواب، والعقاب، والتّحذير، والنّهي. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٠١)؛ لمعرفة معنى الحسنة.
{وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}: أي: الدّعوة تكون بالحكمة، والموعظة الحسنة أوّلاً وأخيراً؛ أيْ: مقصورة أوّلاً على الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال يضاف إلى وسائل الدّعوة إذا لزم الأمر واحتيج إليه، وعندها فليكن بالّتي هي أحسن.
والجدال: مشتق من الجَدْل: أصلها الفتل؛ فتل الحبل، واصطلاحاً: هو حوار بين طرفين، أو أطراف؛ لإثبات حق، أو إظهار حُجَّة، أو دفع شبهة، والجدال: أشد من الحوار؛ قد تحدث فيه مخاصمة، وغضب. ارجع إلى سورة غافر، آية (٤).
{بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}: أيْ: أحسن الطّرق في المجادلة، وهي الرّفق، واللين، واليُسر، وتجنب الغضب، والتّكبر، والمراء.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}: إنّ: للتوكيد.
{رَبَّكَ هُوَ}: هو: للتوكيد، والحصر.
{أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}: أعلم: على وزن أفعل صيغة مبالغة؛ أي: كثير العلم.
{أَعْلَمُ بِمَنْ}: بمن: الباء: للإلصاق؛ من: اسم موصول؛ من: للعاقل، وتشمل المفرد، أو الجمع.
{ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}: تاه، وضاع، ضل عن دينه، وعن الصّراط المستقيم.
{ضَلَّ}: فعل ماض، خرج عن دينه أيّام، أو أسابيع، أو شهر، وسنين، وسار في طريق الكفر، أو المعصية بسبب قلة علمه، وهواه، والشّيطان. وإذا قارنا هذه الآية من سورة النحل مع الآية (١١٧) من سورة الأنعام وهي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ}: جاءت بصيغة المضارع التي تدل على التجدد والتكرار. ارجع إلى سورة الأنعام آية (١١٧) لمزيد من البيان.
{وَهُوَ أَعْلَمُ}: وهو: تكرار يفيد التّوكيد.
{بِالْمُهْتَدِينَ}: أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين منذ الأزل حتّى قبل خلقهم، وهو أعلم بالسّائرين على الصّراط؛ أيْ: دينه؛ أي: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالّتي هي أحسن، وما عليك إلا البلاغ، وهون عليك، واصبر، واعلم: أنّ أمر الهداية الخاصة بيد الله تعالى يهدي من اختار لنفسه طريق الهداية، ويضل من اختار لنفسه طريق الضّلال.