سورة الكهف ١٨: ٤٩
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}:
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ}: كتاب أعمال العباد في أيديهم في أيمانهم، أو شمائلهم فالمؤمن يأخذه بيده اليمنى، والكافر يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره ليقرأ كلٌّ كتابه بنفسه، الكتاب اسم جنس؛ أي: كتاب الأعمال الحسنات، والسّيئات.
{فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}: فترى: الفاء: للترتيب، والتّعقيب، والمباشرة، ترى المجرمين (ارجع إلى سورة الأنعام آية (٥٥)، وسورة الجاثية آية (٣١) للبيان) مشفقين: جمع مشفق اسم فاعل من فعل أشفق، والإشفاق: هو الشعور بالتقصير بحق الله، وخائفين يرتعدون من الخوف مما فيه من الأعمال السّيئة، والمعاصي، وبعد أن يقال لكلّ واحد اقرأ كتابك بنفسك فما أن يرى أعماله يقول كلّ منهم:
{وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا}: {يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} الأنعام: ٣١، أو {يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} الأنبياء: ٩٧، أو الويلة: الهلكة من الويل وهو الهلاك يدعو على أنفسهم بالهلاك كأنّهم يقولون: يا هلاكنا، يا عذابنا: احضر وأرحنا من هذا البلاء.
{مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}: ما: استفهامية للتعجب والدهشة.
{هَذَا الْكِتَابِ}: لهذا: اللام: للتوكيد؛ هذا الكتاب: كتاب الأعمال لم يترك عملاً صالحاً، ولا حسنة، ولا عملاً سيئاً؛ أي: ذنباً إلا كتبه، وأحصاه.
{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً}: لا: النافية، صغيرة ولا كبيرة، تكرار (لا) مرة أخرى يفيد لتوكيد النفي، وفصل كل منهما عن الأخرى؛ أي: لا صغيرة، ولا كبيرة، ولا كلاهما. وقوله: لا صغيرة، ولا كبيرة: نفي فيه تقديم الأدنى على الأعلى، وكان يكفي نفي الصغيرة؛ فهو يدل على نفي الكبيرة، ولو قال: ولا يغادر كبيرة ولا صغيرة؛ فهذا النفي من الأعلى إلى الأدنى؛ فقد لا يغادر الكبيرة، ولكنه يغادر الصغيرة؛ فهذه الآية تدل على أن الله سيحاسب العبد على الصغيرة قبل الكبيرة، وحتى لا يتواكل العبد على رحمة الله، والصغيرة: قد تعني صغائر الذنوب، والكبيرة؛ أي: الكبائر.
{إِلَّا أَحْصَاهَا}: إلا: أداة حصر. أحصاها: عدَّها وجمعها وكتبها.
{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}: ووجدوا ما عملوا في حياتهم الدّنيا مكتوباً مسطوراً في كتب أعمالهم؛ أي: ما عملوا في دنياهم أحضر لهم في الآخرة؛ ليروه، ويحاسبوا عليه.
{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}: لا: النّافية للجنس؛ تنفي كلّ الأزمان؛ أي: لا ينقص حسنة من ميزان أحد، ولا يزيد سيئة في ميزان أحد.
{أَحَدًا}: للتوكيد.