سورة الأنبياء ٢١: ٣٣
{وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}:
{وَهُوَ}: ضمير منفصل يفيد الحصر والتّوكيد، تعود على الله سبحانه.
{الَّذِى}: اسم موصول يختص بالمفرد المذكر.
{خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ}: الخلق هو الإيجاد ابتداءً، وخلق الليل والنهار يدل على كروية الأرض ودورانها حول محورها (نفسها) وحول الشّمس، وفي آيات أخرى قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} الفرقان: ٤٧.
الجعل يكون مرحلة بعد الخلق فالله سبحانه خلق أولاً الليل وخلق النّهار بخلق الغلاف الجوي حول الأرض فالغلاف الجوي لم يكن عند نشأة الأرض وإنما تكون على مر العصور والأحقاب والليل كان هو السّائد في بداية نشأة الأرض.
ثمّ تكون الغلاف الجوي حول الأرض، وفيه طبقات مختلفة إحدى هذه الطّبقات السّفلى تتشكل من غازات معينة هذه الطّبقة أو الغازات تضيء حين تقع عليها حزمة من أشعة الشّمس التي تسمَّى حزمة الضوء المرئي المشكلة من ألوان الطيف السّبعة: الأحمر والبرتقالي والأصفر والبنفسجي والأخضر والأزرق والنيلي، تعطينا هذا النور الأبيض، وأغلب أشعة الشّمس لا تصل إلينا بفضل نطق الحماية، ومنها الأشعة السينية والفوق بنفسجية وتحت الحمراء وأشعة غاما وغيرها.
فتصبح هذه الطبقة الغازية المحيطة بالأرض كالمصباح ينير نصف الأرض المقابل للشمس، بينما النّصف الآخر يكون في ظلام؛ أيْ: ليل، ثمّ تدور الأرض حول الشّمس فيصبح النّصف المضيء ليلاً والنّصف المظلم نهاراً وعملية محو الليل والمجيء بالنهار استغرقت ملايين السّنين.
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: الشّمس أو القمر كلّ منها يدور حول نفسه، ويدور القمر والأرض حول الشّمس، والأرض والقمر والشّمس تدور حول مركز المجرة الشّمسية، وتدور هذه المجرة حول مركز لتجمع المجرات، وتكون محصلة هذه الحركات الثّلاث حركة اهتزازية تعرُّجية، وكأنّها تسبح على موجة صعوداً وهبوطاً.
ولذلك لا يستخدم القرآن كلمة تدور، وإنما كلمة يسبحون، ويشعر كلّ إنسان مثل رواد الفضاء أنّهم حين يخرجون عن نطاق الجاذبية الأرضية كأنّه يسبح أو يطفو على سطح الماء، وهذا إحساس حقيقي، وليس وهمياً، فالإنسان لا يكون في فراغ، بل هو وسط مادي بكثافة منخفضة.
وفي سورة يس الآية (٤٠) قال تعالى: {وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} واو الجماعة هنا تعني كلّ ذرة، كلّ مخلوق مثل الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والكواكب والمجرات والغازات جميعها تتحرك حركة اهتزازية، حركة أشبه ما يكون بجسم يطفو على سطح الماء، وتحركه الأمواج حركة تعرُّجية، حتّى الذّرة وكل نيترون وبروتون داخل الذّرة يدور، وله مدار لا يتعدّاه، وسرعة ثابتة لا تزيد ولا تنقص، ولا تسرع ولا تبطئ، لذلك قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس: ٤٠.
{فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: الفلك: المدار الّذي تدور فيه الأفلاك والشّمس والقمر والمجرات والمدارات بيضاوية الشّكل تدور حول مركز المجرة.
فكل هذه النّجوم والكواكب والأقمار والشّموس تسبح في طبقة غازية مكونة من غازات مختلفة أهمها الإيدروجين والكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والماء والحديد، وليس كما كان يُظنُّ قديماً أنّها تسبح في فراغ أو فضاء فارغ، وهذه الطّبقة الغازية سوداء مظلمة.