سورة آل عمران ٣: ٢٣
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ}:
{أَلَمْ}: الهمزة: همزة استفهام، وفيها معنى التعجب والإنكار معاً. لم: حرف نفي.
{تَرَ}: تعلم؛ أي: ألم يصلك خبر، أو قصة، أو ترى هنا رؤية فكرية قلبية.
{الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ}: أوتوا: أعطوا، والإيتاء: أعم من العطاء، وليس فيه تملك، ويستعمل للأمور المهمة. ارجع إلى الآية (٢٥١) من سورة البقرة؛ للبيان.
نصيباً: هو الحظ المنصوب (المعين)، ويكون في المحبوب والمكروه، أما الحظ يكون غالباً في الخير.
من الكتاب: من التوراة، من: ابتدائية، وتفيد البعضية.
أي: اليهود الذين لم يصلهم إلا جزءاً من التوراة (نصيباً) نكرة، والتنكير: للتقليل، نصيباً من التوراة بسبب الكتمان والتحريف، والتغيير، والنسيان، ولأن التوراة نسخت، أو كُتبت بعد موسى بأعوام كثيرة، وقيل: أن كتبة التوراة كانوا خمسة، وكانت عبارة عن مخطوطات في المعابد، وحدث لها تغيرات كثيرة على مر السنين.
واستعمال أوتوا نصيباً من الكتاب بدلاً من أهل الكتاب تدل على الذم، والتقريع، وأما استعمال أهل الكتاب يأتي في سياق المدح.
{يُدْعَوْنَ}: بصيغة المضارع بدلاً من دعوا في الماضي؛ لاستحضار حكاية الحال، ولتدل على استمرارهم في عدم الإذعان للحق وإعراضهم.
{إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}: قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : نزلت هذه الآية بعد أن دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على يهود في بيت المدراس، فدعاهم إلى الإسلام، فقالوا له: على أي دين أنت؟ فقال: على ملة إبراهيم، فقالوا: إن إبراهيم كان يهودياً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هلمُّوا بالتوراة فهي بيننا وبينكم، فأبَوا فنزلت هذه الآية.
يدعون إلى كتاب الله: قيل: هو التوراة، وقيل: هو القرآن، والأرجح: هو التوراة.
ليحكم بينهم: اللام: للتعليل، يحكم بينهم في ادعائهم أن إبراهيم كان يهودياً، أو نصرانياً، أو في إقامة حد الزنى على الرجل والمرأة الذين كرهوا رجمهما؛ لشرفهما، فحكم النبي بالرجم، وهذا الحكم ورد في التوراة، فأبَوا حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو في صحة نبوَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث اختلفوا في صفاته وشأنه.
{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ}: ثم لمجرد الترتيب، يتولى فريق منهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم بالحق، بينما فريق منهم آخر أمثال عبد الله بن سلام تمسكوا بالحق، ويتولى: من التولي؛ يعني: الابتعاد، والتولي أشد من الإعراض.
{وَهُمْ}: ضمير فصل يفيد التوكيد.
{مُّعْرِضُونَ}: جمع معرض، والإعراض يعني: البعد والترك، ويأتي في سياق الشر؛ أي: معرضون عن قبول الحكم الصادر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو في التوراة في إقامة حد الزنى على أشرافهم، أو ما ورد في نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونبوته.