سورة لقمان ٣١: ٢٩
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}:
المناسبة: يستمر الله الحق سبحانه في تقديم الأدلة والبراهين على عظمة قدرته وخلقه ووحدانيته، ويخاطب الكل أو يخاطب المفرد.
{أَلَمْ تَرَ}: خطاب لكل فرد مؤمن أو كافر، بينما (ألم تروا): خطاب للجميع.
{أَلَمْ تَرَ}: الهمزة للاستفهام، تر: رؤية بصرية ورؤية قلبية فكرية؛ أي: ألم تفكر كيف يولج الله الليل في النهار والنهار في الليل، وبالتالي تدرك عظمة الخالق وقدرته. وألم تر أقوى من ألم تعلم، وإذا قال سبحانه: ألم تر فرؤياه سبحانه أفضل وأعظم من رؤيا خلقه، فهي رؤيا تمثل عين اليقين، وعين اليقين أقوى وأكبر من علم اليقين، ورؤيا الخالق سبحانه تكفي وحدها وحسبنا.
{أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ}: أن: للتوكيد.
{يُولِجُ}: من الولوج؛ أي: الدخول، من الناحية العلمية هذا إشارة إلى كون الأرض كروية الشكل وتدور حول محورها كل (٢٤) ساعة وكونها تدور حول الشّمس مما يؤدي إلى تبادل الليل والنهار، والنهار والليل والذي هو من ضروريات استقامة الحياة على هذه الأرض.
ومن الناحية اللغوية تعني تداخل الليل في النهار، والنهار في الليل بحيث إذا طال أحدهما قصر الآخر وبالعكس.
يولج: جاءت بصيغة المضارع لتدل على التجدد والتكرار بشكل مستمر؛ لأن الشّمس تشرق في مكان وتغرب في مكان آخر في عموم الكرة الأرضية، وقدّم الليل على النهار؛ لأن الليل هو الأصل أو الظلام هو الأصل، لأنه قبل خلق الشّمس، وبالتالي النهار الناتج عن أشعتها بعد أن كان الكون كله ظلاماً، وفي كل القرآن يقدّم الله سبحانه الليل على النهار؛ لأنه الأصل.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: والتسخير هو الانقياد للخالق بعد أن خيّرها فاختارت أن تكون مسخّرة تؤدي مهمة معينة بلا إرادة لها ولا مشيئة كما يأمرها الخالق. وسخّر جاءت بصيغة الماضي؛ لأنه سبحانه حين خلقها سخّرها وانتهى الأمر، فالتسخير حدث وانتهى مرة واحدة، أما الإيلاج فهو مستمر، ودائماً في كل القرآن نجد كلمة سخّر بصيغة الماضي.
وسخّر هنا جاءت بدون كلمة لكم، فحين يذكر لكم تعني خاصة لكم، ولأن اللام لام الاختصاص فتأتي لكم في سياق تعداد النعم، وتأتي مطلقة بدون لكم في سياق الكلام عن عظمة قدرته ووحدانيته وفي سياق الآيات الكونية.
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: إلى: حرف غاية، وتستعمل لعموم الغايات (أول الأمر أو آخره)، أما حتى: حرف غاية فقط تشير إلى آخر الأمر.
وهذا التسخير من مظاهر نعم الله تعالى علينا، وسوف ينتهي وينقطع يوم القيامة.
{كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: تجري كجري الأمواج صعوداً وهبوطاً؛ أي: بشكل متعرج (كجري الحصان) تجري في مجرّتها حتى تتم دورتها في (٢٥٠) مليون سنة كما قدرها العلماء.
الأجل: هو الزّمن أو الوقت المضروب لانتهاء الشيء.
الشّمس تجري إلى أجل مسمى: تجري إلى أن ينقضي أجلها.
وهناك فرق بين تجري إلى أجل مسمى وتجري لأجل مسمى.
تجري إلى أجل مسمى: تعني الآن تجري؛ أي: الشّمس تجري وتجري الآن للوصول إلى أو بلوغ الأجل المسمى لها، وهي نقطة تسمى (ايبكس صولر) نقطة القمة الشمسية.
تجري لأجل مسمى؛ أي: تجري وسوف تجري لقيام الساعة.
فكلمة إلى أجل مسمى: تعطينا صورتها قبل وصولها المستقر.
ولأجل مسمى: تعطينا صورتها بعد وصولها المستقر.
ارجع إلى سورة الرعد آية (٢) لمزيد من البيان والتفسير العلمي لهذه الآية.
{وَأَنَّ اللَّهَ}: للتوكيد.
{بِمَا}: الباء للإلصاق، ما: اسم موصول بمعنى الّذي أو مصدرية.
{تَعْمَلُونَ}: تضم الأقوال والأفعال.
{خَبِيرٌ}: صيغة مبالغة؛ أي: خبير ببواطن الأمور؛ أي: خفاياها، ومن يعلم بواطن الأمور بديهي أن يعلم ظواهرها.
وقدّم العمل على (خبير) ولم يقل وأن الله خبير بما تعملون؛ لأن سياق الآيات في الحديث عن: