سورة يس ٣٦: ١١
{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}:
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد التّوكيد.
{تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}: الذكر: القرآن. ارجع إلى سورة (ص) آية (١) للبيان.
{وَخَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}: خشي الرّحمن: الخشية تعني: الخوف المصحوب بالتّعظيم والمحبة لمن تخشاه وكذلك العلم؛ أي: إنذارك ينتفع به من يذكر الله ويخافه ويؤمن به وبقدرته وعظمته ويتبع القرآن ويخشى الرّحمن.
{بِالْغَيْبِ}: أي ساعة يكون غائباً عن أعين النّاس؛ أي: في السّر، ومن يخشاه بالسّر حين يخلو مع نفسه يخشاه بالعلن؛ أي: (أمام أعين النّاس)، أو يخشاه بالخفاء وفي الظّهور، وأما من يخشاه في العلن قد لا يخشاه في السر.
{وَخَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}: تعني أيضاً من خشي الرّحمن ولم يشاهده؛ أي: آمن به ولم يشاهده أو يراه، وخشي الرّحمن: خشي عقابه وعذابه يوم القيامة وفي البرزخ وفي الدّنيا، واختيار اسم الرّحمن (المشتق من الرّحمة) هنا والرّحمن على وزن: فعلان، يرحم الكافر والمؤمن، ومع ذلك لا تظن أن الرّحمن المتصف بالرحمة لا يعاقب ولا تغتر برحمته، أو تتكلوا عليها فلا بد من العمل الصّالح، وإياك أن تفعل المنكر بقصد أيِّ نية وتقول: سيغفر لي، فمن أطلعك على أنه سبحانه وتعالى سيغفر لك؟
وخشية الرّحمن يجب أن تكون مطلقة في كلّ الأحوال وعامة (أي بالحضور والغيب)، كما ورد في سورة الرعد آية (٢١): {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}؛ أي: خشية مطلقة في السر والعلن، وفي أي حال وشأن.
{فَبَشِّرْهُ}: الفاء للتوكيد، بشِّره من البشارة وهي الإخبار بما يسرّ به المخبر به ولأول مرة. ارجع إلى سورة النّحل آية (٨٩) لمزيد من البيان في البشارة.
{بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}: الباء للإلصاق والدّوام، المغفرة تعني: محو الذّنب وترك العقوبة والإثابة على العمل الصّالح.
{وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}: نوع من أنواع الأجور فهناك أجر عظيم وأجر كبير وأجر غير ممنون وأجر حسن وأجر بغير حساب، والأجر يكون مقابل العمل الصّالح، أجر كريم من معطي الأجر وهو الله الكريم، فالأجر الكريم يتناسب مع كرم الكريم، فيا له من أجر وهو الجنة وما فيها من النّعيم، وقيل: المغفرة هي جزاء الإيمان بالله وعدم الشّرك به وعدم معصيته.
وقدّم المغفرة على الأجر؛ لأنّ المغفرة لا بدّ أن تكون أولاً ثمّ الأجر والثّواب ثانياً.
ولنقارن هذه الآية {مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} والآية (٢١) من سورة الرّعد {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}.
خشية الله تعالى في آية ياسين مقيدة بالغيب، أمّا الخشية في آية الرّعد مطلقة في السر والعلن.