سورة الحديد ٥٧: ١٤
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}:
{يُنَادُونَهُمْ}: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السّور, والنّداء لا يكون إلا برفع الصّوت, وأضاف النّون بدلاً من ينادوهم للتوكيد, وينادونهم تدل على تجدد وتكرار النّداء، فلم ينادوهم مرة أو اثنتين, ينادونهم لعلّهم يمدون إليهم يد العون بأيّ شيء ممكن أو يساعدونهم على ما حلّ بهم.
{أَلَمْ}: الهمزة للاستفهام والتعجب والتقدير.
{نَكُنْ مَّعَكُمْ}: نكن معكم في الدنيا. أي: إخوانكم نمدّ لكم يد العون أو نساعدكم, معكم: ولم يقولوا منكم: هناك فرق كبير بين منكم أو معكم, منكم: أي من المؤمنين فهم يعلمون حقيقة إيمانهم في أنفسهم أنهم اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله وكما قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُمْ مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} التوبة: ٥٦.
{قَالُوا بَلَى}: أي قال المؤمنون: بلى، ردّاً على استفهام النّفي. ارجع إلى سورة الأحقاف الآية (٣٤) لمزيد من البيان.
{وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ}: لكن حرف استدراك وتوكيد والكاف للمخاطب خاصة, فتنتم أنفسكم: الفتنة هي أشد التّكليف؛ أي: أثقلتموها وحمّلتموها بالنّفاق أو أضللتم أنفسكم في ظلمات المعاصي والشّهوات.
{وَتَرَبَّصْتُمْ}: تربصتم بمحمّد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الدّوائر أو نوائب الدّهر، والتّربُّص: هو الانتظار والمراقبة مع السّؤال والتّفتيش عن الأنباء والأخبار، وأنّ محمداً سيُغلب ويقهر أو يفشل في رسالته, وأن الإسلام سيندحر، وقدم التربص (الانتظار) على الريبة؛ لأن طول الانتظار يؤدي إلى الريبة.
{وَارْتَبْتُمْ}: الرّيبة هي الشّك والتّهمة, ارتبتم في دين الله تعالى وفي القرآن وفي نبوة محمّد -صلى الله عليه وسلم-, والبعث والحساب والآخرة.
{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ}: أي خدعتكم الأماني الكاذبة أو الباطلة (جمع أمنية، والتّمنّي: هو أن يقول القائل: ليت الأمر كذا وكذا) والتّمنّي: معنى في النّفس يقع عند فوات فعل كان للتّمنّي في وقوعه نفع أو في زواله ضرر في الماضي أو المستقبل, وغرّتكم الأمانيّ أنّ النصر والغلبة ستكون لكم. أو أن الله لن ينصر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو أن الله سيغفر لكم وغيرها…
{حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}: وهو إمّا الموت أو نصر الله لدينه ورسوله ودخول الناس في دين الله أفواجاً.
{وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}: أي الشّيطان الذي زيّن لكم الكفر والشّرك والنّفاق وسَعة رحمة الله لكم والنّجاة من عذاب الله، ولن يؤاخذكم الله على فسادكم وصدّكم عن سبيل الله تعالى. ارجع إلى سورة فاطر الآية (٥) لمزيد من البيان، والفرق بين الغُرور والغَرور.