سورة البقرة ٢: ٤٨
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَيْـئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا}: الواو عاطفة، {وَاتَّقُوا يَوْمًا}: عذاب يوم، والتنكير هنا؛ للتهويل، تهويل العذاب، وتهويل اليوم، وهو يوم القيامة، ولم يقل: لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئاً؛ لأنّ الجزاء والحساب ليس منحصراً في ذلك اليوم، وهو قد يستمر سنين طويلة؛ كقوله: {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.
كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}؛ لأنّ الرجوع محصور في ذلك اليوم.
{لَا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَيْـئًا}: لا: النّافية، لا ينفع الإنسان فيه إلَّا عمله، أو لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنّ ليس للإنسان إلَّا ما سعى.
فالآية هذه؛ تتحدث عن نفسين: النفس الأولى، الّتي تقدِّم الشفاعة لنفس الثانية (المشفوع لها) فلا يُقبل منها شفاعة؛ أي: من النفس الأولى الشافعة، وعندها تحاول النفس الأولى، الشافعة، أن تدفع مال، (عدل)، يساوي الفدية، يساوي ما يعادل الذنب والجرم، لتفدي النفس المشفوع لها، أو الآثمة، فلا يؤخذ منها.
ولو قارنا هذه الآية بالآية (١٢٣): {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}.
فالآية (١٢٣): تتحدث عن النفس المشفوع لها، تحاول أن تدفع لتفدي نفسها بنفسها، فلا يقبل منها عدل، ثم حين لا يقبل العدل، تحاول أن تأتي بالشفيع، أو تبحث عن شفيع، فلا تجد، أو لا تنفعها شفاعة. {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}: لا: النّافية.
{هُمْ}: ضمير منفصل، للتوكيد.
{يُنْصَرُونَ}: أي: لا يستطيع أحد، أن ينصرهم، أو يوقف عنهم العذاب، أو يخففه.
ويمكن تيسُّر فهم الآية (٤٨) والآية (١٢٣) بالقول أنّ هناك نفساً أولى شافعة، ونفس ثانية مشفوع لها.
ففي الآية (٤٨) تحاول النفس الأولى الشافعة أن تشفع للنفس الثانية، فلا يسمح لها أن تشفع، بعدها تلجأ إلى دفع فدية (أو عدل)، فلا يسمح لها أيضاً.
وأما في الآية (١٢٣): تحاول النفس المشفوع لها أن تدفع فدية، أو عدل بذاتها، فلا يسمح لها بعدها تحاول أن تجد من يشفع لها فلا تجد أحداً.