سورة البقرة ٢: ٤٩
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}:
{وَإِذْ}: ظرف للزمن الماضي؛ أي: واذكر إذ، أو اذكر حين نجيناكم من آل فرعون.
الفرق بين نجيناكم وأنجيناكم.
{نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: نجيناكم، تعني النجاة، تمت ببطء بعد زمن طويل؛ أي: بقوا في العذاب زمناً طويلاً، ثم نجوا بسهولة.
بينما أنجيناكم؛ تعني النجاة تمت بسرعة، وزمن قصير، وقوة عظيمة؛ أي: جهد أكبر، وصعوبة أشد، كما حدث؛ حين أنجاهم من الغرق.
{مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: أصل الآل؛ أهل الرجل، وأعوانه، وأتباعه.
{فِرْعَوْنَ}: ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٠٣) لمعرفة من هو فرعون، أهو رمسيس الثاني، أم ابنه منفتاح؛ أي: فرعون المربي، أم فرعون الخروج؟ وآل فرعون يعني: آل فرعون الأب، وفرعون الابن.
{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}: يسومونكم من السؤم، وسام السلعة؛ أي: طلبها وابتغاها.
إذن، يسومونكم، يبغونكم.
وقيل: سام خصمه؛ أي: أذله، وأعنته، وأرهقه، وسام الماشية: تركها ترعى، فكلمة يسومونكم، جمعت كل تلك المعاني معاً، ففرعون ابتغى لهم العذاب، وأذلهم، وأعنتهم، وتركهم فيه زمناً طويلاً.
{سُوءَ الْعَذَابِ}: والسوء؛ هو كل ما يغم الإنسان، من أمر دنيوي، أو أخروي، أو يسوء إلى النفس.
{سُوءَ الْعَذَابِ}: أشده، وأفظعه، وأقبحه، وما نوع سوء العذاب؟؟ فقد بينه، ووضح ذلك في قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}، ولو اكتفى بقوله: {سُوءَ الْعَذَابِ}، لربما يظن ظان، أنه ضرب، أو شتم، أو غيره، لا يصل إلى درجة الذبح، أو الاستحياء، والذبح؛ نوع واحد من أنواع القتل، والأبناء؛ تطلق على الذكور فقط، أما أولادكم؛ فتشمل: الذكور، والإناث، وكان الذبح يصيب الأبناء؛ أي: الذكور فقط، ولا يصيب البنات، وفي سورة إبراهيم آية (٦) قال تعالى: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} بإضافة الواو، بينما في هذه الآية حذف الواو. حذف الواو دل على أن التذبيح هو سوء العذاب، وإضافة الواو دل على أن التذبيح غير سوء العذاب، وهذا من كلام موسى الذي كان يعدد على بني إسرائيل المحن، أما آية البقرة (بحذف الواو): هو كلام الله سبحانه، وليس في تعديد المحن، بل كان يعدد لهم النعم. ارجع إلى سورة القصص آية (٤) للبيان المفصل.
يذبحون، جاءت بصيغة المضارع؛ لاستحضار الفعل؛ ليدل على بشاعته.
{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}: من استحيا؛ أي: أبقاه على قيد الحياة، أو طلب له البقاء حياً؛ أي: يتركون نساءكم أحياء، للخدمة، وللمتعة، وللذل، ولم يقل: يستحيون بناتكم؛ لأنّ النّساء أقوم للخدمة، والمتعة، والتنكيل. ارجع إلى سورة الأعراف آية (١١٤) وسورة القصص آية (٤)، وسورة إبراهيم آية (٦) للمقارنة ومزيد من البيان.
{وَفِى ذَلِكُمْ}: في؛ ظرفية، ذلكم: اسم إشارة للبعد، ويشير إلى {سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}، ولم يقل: وفي ذلك لأنّ ذلكم؛ تفيد التّوكيد، والتعدد، والذبح، والاستحياء، وسوء العذاب إلى أهمية هذه الأمور.
{بَلَاءٌ مِنْ رَّبِّكُمْ}: البلاء؛ قيل: هو الاختبار، والفتنة، والابتلاء، يكون في الخير، والشر، وفيه؛ معنى تحمل المشاق والمكاره.
فقد قال تعالى: {بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} الأنبياء: ٣٥، والابتلاء غايته إظهار طاعة الله تعالى، أو معصية، أو الاختبار يجري لمعرفة العلم بكنه الشيء المختبر، والابتلاء أصله الاختبار؛ تختبره بالضر، لكي ترى ما عنده من الصبر، أو بالنعمة، لكي ترى إن كان شاكراً، أو جاحداً، والبلاء لبني إسرائيل، كان بنوعيه الشر، {سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}، وبالخير {نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ}، ومن الغرق في البحر.
{عَظِيمٌ}: لعظم ما فيه، من الآلام، والعذاب، كماً، وكيفاً.