سورة المائدة ٥: ١٧
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}:
{لَّقَدْ}: اللام: للتوكيد، قد: للتحقيق (للتوكيد).
{كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}:
{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: قيل: هم فرقة من فرق النصارى؛ تسمَّى اليعقوبية، وساد مذهبهم هذا بعدئذٍ بين جميع المسيحيين، وهو: أن اللهَ سبحانه هو المسيحُ ابن مريم.
{إِنَّ}: للتوكيد. {اللَّهَ}: -عز وجل- ، {هُوَ}: ضمير منفصل، يفيد الحصر، والتوكيد.
{الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: ارجع إلى الآية (٤٥) من سورة آل عمران.
{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
{فَمَنْ}: الفاء: للتوكيد، من: استفهامية؛ تفيد الإنكار، والتوبيخ.
{يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا}: من: استغراقية.
{شَيْـئًا}: نكرة؛ للتهويل، والشيء: هو أقل القليل؛ أيُّ شيء مهما كان نوعه، وشكله، وحجمه.
{يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا}: أيْ: يدفع، ويمنع من عذاب الله شيئاً، إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم عليهما السلام، وجواب الاستفهام: لا أحد يملك ذلك.
{وَأُمَّهُ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا}:
{وَمَنْ}: استغراقية.
{جَمِيعًا}: للتوكيد.
واستعمل {أَرَادَ أَنْ}: أن: شرطية؛ تفيد الاحتمال والندرة.
{أَرَادَ}: ولم يقل: يريد؛ لأن الإهلاك لا يحصل إلَّا مرة واحدة.
وفي هذه الآية: دليل على أن عيسى -عليه السلام- ليس إلهاً، ولا ابن إله، ولا ثالث ثلاثة.
وفي هذه الآية: إنذار لمن قالوا: إن الله هو المسيح عيسى ابن مريم.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}:
فالألوهية إذن لمن!! الجواب: لمن له ملك السموات والأرض، وما بينهما؛ أي: المُلك والحكم، حصراً لله وحده، وتقديم {وَلِلَّهِ}: الجار والمجرور ولفظ الجلالة: يفيد الحصر.
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}: قادر أن يخلق آدم من تراب، وعيسى من أم، وحواء من آدم، وأنتم من أب وأم، فإذا أراد شيئاً: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
يخلق من الخلق، وهو الإيجاد من لا شيء، أو من شيء، والخلق هو التقدير.
{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}: ضمير منفصل؛ يفيد الحصر، يعود على الله سبحانه وحده، وقادر على عقاب العاصي، وثواب المطيع، وقادر على نصر نبيه، ودينه، وإعلاء كلمته. ارجع إلى سورة البقرة؛ آية (٢٠)؛ لمزيد من البيان.
وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}: وقارنّا هذه بقوله تعالى في سورة الفتح، الآية (١١): {فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا}، أضاف كلمة: {لَكُمْ}.
{لَكُمْ}: تعني: هؤلاء المذكورين خصوصاً وليس غيرهم؛ أي: الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين دعاهم للخروج إلى العمرة, وحدث صلح الحديبية.
وفي هذه الآية من سورة المائدة، لم يضف -جل وعلا- : {لَكُمْ}؛ لأن الخطاب عام لكل الناس، وليس إلى فئة خاصَّة معينة.