سورة المائدة ٥: ١٨
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}:
قالوا ذلك افتراءً، أو ظناً أنهم أبناء ذرية إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب عليهم السلام؛ أيْ: أنهم أبناء الرسل، وقيل: إنهم وجدوا في التوراة آية يا أبناء أحباري، فظنوا أو ادعوا أنهم بذلك أصبحوا أبناء الله، وأحباؤه، أو حين ظنوا ظن الباطل: أن المسيح ابن الله، قالوا: معنا ابن الله، فنحن أبناء الله؛ أيْ: هو كالأب لنا في الحنو والعطف، أو نحن أشياع وأتباع ابني الله، المسيح وعزير، فردَّ الله عليهم عن طريق نبيِّه، وليس مباشرة.
قل لهم يا محمد: إذا كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأعزته، فلم يعذبكم الله بذنوبكم؟! لأن الأب لا يعذّب ابنه، والحبيب لا يعذّب حبيبه، فلستم أبناءَ الله، ولا أحباءَه.
{بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ}: من جملة ما خلق، أو من عامة خلقه.
{بَلْ}: للإضراب الإبطالي، {أَنْتُمْ}: للتوكيد.
{أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ}: فلو صحَّ أنكم أبناء الله؛ لما عصيتموه، ولما عاقبكم، بل أنتم بشر: أي: خلقاً ممن خلق، وبشر قد تأتي للمفرد أو الجمع كقوله تعالى في سورة القمر آية (٢٤): {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ}.
{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}:
{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ}: لمن يستحق المغفرة، وهم أهل الطاعة.
{وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}: من يستحق العذاب، وهم العصاة، ومن يفترون على الله الكذب، أو يكفرون بالله تعالى.
وقدَّم المغفرة على العذاب في هذه الآية، وكما هو الحال في جميع القرآن، إلا في آيتين اثنتين فقط، قدَّم العذاب على المغفرة، وهما الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} من سورة المائدة، الآية (٣٨)، وجاءت في سياق التحذير من السرقة، والآية (٢١) من سورة العنكبوت في قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}؛ التي جاءت في سياق الإنذار، إنذار إبراهيم لأبيه وقومه على عبادة الأصنام، والشرك بالله، وهي أمور توجب العذاب؛ فقدَّم العذاب أولاً، وأخَّر المغفرة.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}: ارجع إلى الآية السابقة.
{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}: إليه المنتهى والعودة، وحصراً وقصراً، لا إلى أحد غيره للمحاسبة والجزاء, يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.