قال الزمخشري: " والمثاني، من التثنية وهي التكرير؛ لأنّ الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله، الواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية " (١).
وقيل: لأنها مقسومة بين الله وبين العبد نصفين، نصفها ثناء ونصفها دعاء، كما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: يقول الله عزّ وجلّ: (قسمتٌ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) (٢) فتكون المثاني من جعل الشيء الواحد اثنين وذُكر غير ذلك. (٣)
ولا يخفى أن كل ما سبق من الأقوال ينطبق على سورة الفاتحة، وفي قول أبي هريرة – -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) (٤) وغيره مما روي في هذا المعنى نصٌّ في أن الفاتحة هي السبع المثاني، ولكن لا ينافي هذا وصف غيرها بذلك (٥).
والأولى – والله أعلم – بالمراد في الآية هي الفاتحة.
قال الشوكاني: " ولا يخفى عليك أن تسميه الفاتحة مثاني، لا تستلزم نفي تسمية غيرها بهذا الاسم. وقد تقرر أنها المرادة بالآية " (٦)
وأما قول الحسين إنها نزلت مرتين فهذا محتمل، ولقد بينتُ سابقاً في سورة الفاتحة (٧) أنها سورة مكية. لكن هذا لا يمنع من أن تكون نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، لا سيَّما وأن ابن كثير ذكر أنَّ أبا هريرة ومجاهداً والزهري وعطاء بن يسار قالوا بمدنيتها (٨)، فكأن هذا القول جمع بين القولين.
(ويمكن نزولها مرة ثانية بالمدينة معلماً بفضلها وأهميتها، وأيضاً لا يمنع أن يمن الله بها على رسوله في سورة الحجر المكية وقد نزلت الفاتحة قبلها، مع العلم بأن الله تعالى قد امتنَّ على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأمر قبل وقوعه مثل قوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} الفتح: ١ (٩).
(١) الكشاف ٢/ ٥٨٧.
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، ح: ٨٧٨ ص: ١٦٧. ... وأورد هذا القول البغوي في تفسيره ٢/ ٥٩٥، وينظر: زاد المسير ٤/ ٤١٣.
(٣) ينظر: تفسير السمعاني ٣/ ١٤٩ وزاد المسير ٤/ ٤١٣.
(٤) سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية رقم (٢).
(٥) ينظر في هذا النص: تفسير ابن كثير ٢/ ٥٥٧.
(٦) فتح القدير ٣/ ١٧٦.
(٧) عند قول الحسين في بداية الفاتحة (لكلِّ عالم هفوة، وهذه نادرة من مجاهد .. ).
(٨) ينظر: تفسير ابن كثير ١/ ٨.
(٩) ينظر: كلام محقق الكشف والبيان (قاري خوشي محمد) في آية الحجر: ٨٧ ص ١٠٢.