قال أبو جعفر: فهذا من ذكرنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد صرف تأويل قول الله عزّ وجلّ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة:١٩٦ إلى خلاف ما صرف إليه عبد الله بن الزبير، وهو أصح التأويلين عندنا، والله أعلم، لأن في الآية ما يدل على فساد تأويل ابن الزبير، لأن الله عز وجل قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} البقرة:١٩٦ والصيام في الحج، لا يكون بعد فوت الحج، ولكنه قبل فوته.
ثم قال: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة:١٩٦ فكان الله عزّ وجلّ إنما جعل المتعة، وأوجب فيها ما أوجب على من فعلها إذا لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
وقد أجمعت الأمة أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام، أو غير حاضري المسجد، ففاته الحج، أن حكمه في ذلك وحكم غيره سواء، وأن حاله بحضور أهله المسجد الحرام، لا يخالف حاله ببعدهم عن المسجد الحرام.
فثبت بذلك أن المتعة التي ذكرها الله عزّ وجلّ في هذه الآية، هي التي يفترق فيها من كان أهله بحضرة المسجد الحرام، ومن كان أهله بغير حضرة المسجد الحرام، وذلك في التمتع بالعمرة إلى الحج التي كرهها مخالفنا.
(شرح معاني الآثار - ٢/ ١٤٢ - ١٥٧).
الدراسة
بين الإمام الطحاوي الأقوال الواردة في المراد بالتمتع في الآية، ورجح أن المراد بالتمتع هو: تمتع من خلي سبيله، دون تمتع المحصر، وذلك بدلالة الآية والسنة.
وإليك بيان الأقوال في المراد (بالتمتع) في الآية:
- القول الأول: أن الآية فيمن خلي سبيله.