الترجيح: والراجح هو القول الثالث، بدلالة قول جل وعلا في هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} البقرة:١٩٦. فهذا الحكم الوارد في الآية ثابت للمحصر وغيره، فكذلك ينبغي أن يكون التمتع المذكور في الآية ثابت للمحصر وغيره.
وبدلالة قول الله جل وعلا في هذه الآية: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} البقرة:١٩٦: فالمراد بالآية: أي: إذا كنتم في حال أمن وسعة من أول الأمر، أو كان حاصلاً لكم بعد الإحصار، فتمتعوا بالعمرة إلى الحج.
فظاهر الآية دال على أنها عامة في المحصر وغيره، فوجب حمل الآية علىلقول بالعموم، لعدم المانع من ذلك، وثبوت حكم التمتع للمحصر وغيره. (١)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في المراد بالآية.
والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧)} البقرة:١٩٧
قال أبو جعفر الطحاوي: أن الأشياء قد تجمع في شيء واحد، وأحكامها في أنفسها مختلفة، من ذلك قول الله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة:١٩٧. فجمع الله عز وجل هذه الأشياء في آية واحدة، ونهى عنها نهياً واحداً، وكانت مختلفة في أحكام ما نهى عنها فيه، لأن الرفث هو الجماع، وهو يفسد الحج، وما سوى الرفث من الفسوق والجدال لا يفسد الحج.
(شرح مشكل الآثار - ٧/ ٤١٤)
(١) انظر: معاني القرآن للنحاس (١/ ١٢٣) وتفسير أبي حيان (٢/ ٢٦٣).