فثبت بذلك قول الذين ذهبوا في القرء إلى أنها الحيض، وانتفي قول مخالفهم، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف (١)، ومحمد (٢) رحمهم الله.
(شرح معاني الآثار - ٣/ ٥٩ - ٦٤)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي الخلاف الوارد في المراد بـ (القرء) في الآية - والذي يجب على المطلقة أن تعتد به، وقد ذكر أقوال العلماء في ذلك، وأدلة كل قول. كما ردّ على من قال إن المراد بـ (القروء) الأطهار، مرجحاً قول من قال إن المراد بـ (القروء) الحيض.
وقبل عرض كل قول وأدلته أبين أولاً: أن أهل العلم بلسان العرب وجمهور العلماء لم يختلفوا في أن (القرء) في اللغة يراد به الحيض، ويراد به الطهر. يقال (أقرأت المرأة) أي: حاضت.
ومنه قول الشاعر: يارب ذي ضغن على فارض::: له قروء كقروء الحائض. (٣)
ومعنى البيت، أنه طعنه، فكان له دم كدم الحائض، فدل البيت على أن القرء يأتي بمعنى الحيض.
ويقال: (أقرأت المرأة) أي: طَهُرَتْ. ومنه قول الشاعر الأعشى:
أفي كل عام أنت جاشم غزوة::: تشد لأقصاها عزيم عزائكا.
مورثة مالاً وفي الحي رفعة::: لما ضاع فيها من قروء نسائكا. (٤)
(١) أبو يوسف هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أَخَذَ العلم والفقه عن أبي حنيفة، وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي
حنيفة، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض. وكانت وفاته ببغداد سنة (١٨٢ هـ) (تاج التراجم - ٢٨٢).
(٢) محمد هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة، وعنه أخذ الفقه، ثم عن أبي يوسف، وهو ممن نشر علم أبي
حنيفة، وكانت وفاته بالري سنة (١٨٩ هـ) (تاج التراجم - ١٨٧).
(٣) انظر: مجالس ثعلب (٢٦٤) والحيوان (٦/ ٦٦،٦٧) والمعاني الكبير للفراء (٨٥٠، ١١٤٣).
(٤) انظر: ديوان الأعشى (٩١) والدر المصون (١/ ٥٥٥).