فنص الحديث على أن عدة الأمة حيضتان، وذلك خلافاً لقول من قال إن (القرء) هو: الطهر، لأنهم يزعمون أن عدتها طهران، ولا يكملون لها حيضتين.
وإذا ثبت أن عدة الأمة حيضتان كانت عدة الحرة ثلاث حيض، وعليه يكون المراد (بالقرء) في الآية: الحيض دون الطهر. (١)
الترجيح: والقول الراجح هو أن المراد بـ (القروء) في الآية: (الحيض)، وذلك لما يلي:
١ - قوة أدلة هذا القول مما يتعين معه الأخذ بها.
٢ - أن هذا القول هو قول معظم الصحابة والتابعين.
٣ - أن القرء في اللغة وإن كان مشتركاً بين الطهر والحيض، إلا أنه في الشرع غلب استعماله في الحيض، كما ورد في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشأن المستحاضة:"تدع الصلاة أيام أقرائها" (٢)، ولم يجيء في موضع واحد استعماله للطهر، فحمله على المعهود من خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - متعين، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ عن الله جل وعلا، والقرآن تنزل بلغة قومه، فإذا ورد اللفظ المشترك في كلامه على أحد معنييه، وجب حمل سائر كلامه عليه، إذ لم يثبت إرادة المعنى الآخر في شيء من كلامه البته.
٤ - أن في هذا القول احتياطاً وتغليباً لجانب الحرمة، لأن الأصل في الأبضاع الحرمة، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". (٣)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٣٦٦)
(٢) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الطهارة - باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر (حـ ٢٩٧ - ١/ ٢٠٨).
والترمذي في سننه كتاب الطهارة - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (حـ ١٢٦ - ١/ ١٩٩).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه - كتاب صفة القيامة - باب رقم (٦٠) (حـ ٢٥٢٣ - ٩/ ٣٢١) وقال: هذا حديث صحيح. أ. هـ.
والإمام أحمد في مسنده (٣/ ١٥٣).