ومعنى الآية على هذا القول: وما يعلم تأويل المتشابهة إلا الله وحده منفرداً بعلمه.
وأما الراسخون في العلم فإنهم يقولون آمنا بالمتشابهة والمحكم، وأن جميع ذلك من عند الله، على وجه التسليم والانقياد والاعتراف بالعجز عن معرفته. (١)
ومن قال بهذا القول: جعل (الواو) في قوله (والراسخون):
للاستقبال، ولابتداء خطاب جديد غير متعلق بالأول. (٢)
- ومن أدلة هذا القول:
١ - أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ هذه الآية فيقول: {إن تأويله إلا عند اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
وكان ابن عباس رضي الله عنه يقرأها - فيقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} وهذه القراءة وإن لم تكن من القراءات السبع المتواترة فإنها مبينة للمراد بالآية.
٢ - أن الله جل وعلا مدح الراسخين في العلم بأنهم قالوا: (آمنا به) ولو كانوا عالمين بتأويل المتشابه على التفصيل لما كان في الإيمان به مدح، لأن من علم شيئاً على التفصيل لابد وأن يؤمن به. فكان المدح حاصلاً لهم على تفويض تعيين المراد إلى الله جل وعلا، ولم يحملهم عدم معرفة المراد على ترك الإيمان به.
٣ - أنه لو كان (الراسخون) معطوف على لفظ الجلالة (الله) للزم أن يكون (يقولون) خبراً لمبتدأ محذوف تقديره (هم) أو (هؤلاء) فيلزم الإضمار، وفي الإضمار ترك للظاهر، وترك الظاهر خلاف للأصل.
٤ - أن قوله تعالى: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} آل عمران:٧ يفيد ويقتضي أنهم آمنوا بما عرفوا بتفصيله، وبما لم يعرفوه بتفصيله، ولو كانوا عالمين بالتفصيل في الكل، لخلا هذا القول عن الفائدة. (٣)
(١) انظر: تفسير الطبري (٣/ ١٨٣) - وتفسير السمعاني (١/ ٢٩٦).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٤).
(٣) تفسير أبي حيان (٣/ ٢٨).