وإليك بيان أقوال المفسرين في المراد بهذه الآية، مع بيان القول الراجح في ذلك:
- القول الأول: أن المراد بقوله تعالى: {أَلَّا تَعُولُوا} النساء:٣ أي: ألا تميلوا وتجوروا.
- وهذا قول: جمهور المفسرين. (١)
وقد روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا القول: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في قوله عز وجل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ أَلَّا تَعُولُوا} النساء:٣ قال: (ألا تجوروا). (٢)
كما أن اللغة دالة على هذا المعنى: فإن أصل العول: الميل، يقال: (عال الميزان عولاً): إذا مال. ويقال: (عال الحاكم في حكمه): إذا جار - ويقال: (عالت الفريضة): إذا زادت سهامها.
ومن ذلك قول أبي طالب في قصيدة له يستعطف بها قريش:
بميزان قسط لا يبخس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل (٣)
أي: غير مائل أو جائر في حكمه.
فدلت هذه الاشتقاقات على أن أصل هذا اللفظ "عال" هو: الميل. (٤)
- القول الثاني: أن المراد بقوله تعالى: {أَلَّا تَعُولُوا} النساء:٣ أي: ألا يكثر عيالكم.
- وهذا قول: زيد بن أسلم - وجابر بن زيد - وسفيان بن عيينة - والإمام الشافعي. (٥)
- وقد اعترض على هذا القول بأمرين:
أ - أن العرب تقول: (عال الرجل يعول): إذا جار. وتقول (أعال الرجل يعيل): إذا كثر عياله.
فلو كان المراد بقوله تعالى: {أَلَّا تَعُولُوا} النساء:٣: ألا يكثر عيالكم، لقال: (ألا تعيلوا). (٦)
(١) معاني القرآن للنحاس - (٢/ ١٥).
(٢) تقدم تخريجه (٢٦٥).
(٣) هذا البيت ذكره ابن هشام في سيرته - (١/ ٢٧٧) وابن منظور في لسان العرب - (مادة: عول -١١/ ٤٨٩).
(٤) تفسير الرازي (٩/ ١٧٧).
(٥) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٤٦١) - وتفسير القرطبي (٥/ ٢٧).
(٦) أحكام القرآن لابن العربي (١/ ٣١٥).