فالحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد، ويفوز بها دونها، ويتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم، كما قال جل وعلا: وَنَحْنُ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} النساء:٨٩.
وكما قال جل ذكره: {ودَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} البقرة:١٠٩.
فالحسود عدو للنعمة متمن لزوالها من المحسود كما زالت عنه. (١)
وفي قوله جل وعلا: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} النساء:٣٢.
نهي عن التحاسد، وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من أمور الدنيا والدين، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح المقسوم له، من بسط في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له، علماً بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له، فلا يحسد أحد أخاه على حظه ورزقه. (٢)
- النوع الثاني: أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل ما لغيره من غير تمن لزوال تلك النعمة عن غيره.
وهذا النوع من التمني هو الحسد المباح، أو ما يسمى بالغِبْطة.
فالغبطة هي: المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه، فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر، قال جلا وعلا في ذلك: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} المطففين:٢٦.
(١) الروح لابن القيم (٣٧٣).
(٢) تفسير الزمخشري (٢/ ٦٤).