وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنافسون في الخير، ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه، بل يحض بعضهم بعضاً عليه، مع تنافسهم فيه، وهو نوع من المسابقة التي دعا الله جل وعلا إليها بقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} البقرة:١٤٨.
وبقوله: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الحديد:٢١. (١)
وهذا النوع من الحسد هو المراد بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار". (٢)
وقد دل على هذا النوع من الحسد المباح: قوله جل وعلا: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}} النساء:٣٢.
فللإنسان أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره. إلا أن بعض المحققين قال بعدم جواز ذلك، لأن تلك النعمة التي يتمناها الإنسان ربما كانت مفسدة له إما في دينه وإما في دنياه.
وعليه فينبغي للمسلم أن لا يعين شيئاً في الأمنية والطلب والدعاء، ولكن ليطلب من فضل الله ما يكون سبباً لصلاحه في دينه ودنياه على سبيل الإطلاق. كما قال جل وعلا: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} النساء:٣٢.
(١) الروح لابن القيم (٣٧٣).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: التوحيد - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "رجل آتاه الله القرآن" (حـ ٧٠٩١ - ٦/ ٢٧٣٧).
ومسلم في صحيحه - كتاب: صلاة المسافرين - باب: فضل من يقوم بالقرآن (حـ ١٨٩١ - ٦/ ٣٣٨).