وعليه فإنه ليس في الآية تكرار من غير فائدة.
٣ - أن الله جل وعلا قال: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} النساء:٩٢ فإطلاق القول بأنه من المعاهدين يقتضي أن يكون معاهداً مثلهم. ومثال ذلك قول القائل: (إن هذا رجل من أهل الذمة) يفيد أنه ذمي مثلهم، فكذلك ظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} النساء:٩٢ يوجب أن يكون معاهداً مثلهم، ألا ترى أنه لما أراد بيان حكم المؤمن إذا كان من ذوي أنساب المشركين قال: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} النساء:٩٢ فقيده بذكر الإيمان، لأنه لو أطلقه لكان المفهوم منه أنه كافر مثلهم. (١)
وقد رد هذا الاستدلال: بأمرين:
١ - أن كلمة (من) صارت مفسرة في الآية السابقة بكلمة (في). فكان المعنى: (وإن كان في قوم عدو لكم) فكذلك هنا يجب أن يكون المعنى: (وإن كان في قوم بينكم وبينهم ميثاق). (٢)
٢ - أن فائدة التقييد بالإيمان في قوله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} النساء:٩٢ هو على سبيل التوكيد، لا على سبيل التقييد إذ القيد مفهوم مما قبله في الاستثناء وفي جملة الشرط، فلو أطلق ولم يأت بقوله: (وهو مؤمن) لكان الضمير الذي في (كان) عائداً على المقتول خطأ، لأنه لم يجر ذكر لغيره، فلا يعود الضمير على غير من لم يجر له ذكر، ويترك عوده على ما جرى ذكره. (٣)
وعليه فإن فائدة وصفه بالإيمان هي:
دفع التوهم الذي قد يفهم من قوله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} النساء:٩٢ بحيث قد يظن ظان أنه أيضاً عدو لنا في الدين، فجاء الوصف (بالإيمان) لإزالة هذا التوهم، وتأكيد وصفه بالإيمان.
القول الثالث: أن الآية عامة في المؤمن والكافر.
(١) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٣٧).
(٢) تفسير الرازي (١٠/ ٢٣٥).
(٣) تفسير أبي حيان (٤/ ٢٦).