٥ - أن الله جل وعلا قال في المسلم المقتول: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} النساء:٩٢ وقال في الكافر الذمي المقتول مثل ذلك، فقال جل ذكره: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} النساء:٩٢ فلم يفرق جل وعلا بين مايجب للمسلم المقتول، وبين ما يجب للكافر المقتول، فدل ذلك على أن ديتهما سواء، كما أن الكفارة عنهما سواء. (١)
كما أن الدية اسم لمقدار من المال بدلاً من نفس الحر، كانت معلومة المقدار عندهم قبل الإسلام وبعده، وهي (مائة من الإبل). فمتى أطلقت كان من مفهوم اللفظ هذا المقدار.
فإطلاق لفظ الدية في الآية قد أنبأ عن هذا المعنى، وعطفها على الدية المتقدمة مع تساوي اللفظ فيهما بأنها (دية مسلمة) قد اقتضى ذلك أيضاً. فوجب أن تكون الدية المذكورة للذمي هي الدية المذكورة للمؤمن، وإلا كان لفظ (الدية) لفظاً مجملاً مفتقراً إلى البيان، وليس الأمر كذلك. (٢)
وقد رد هذا الاستدلال بالأمور التالية:
١ - أنه ليس المراد بالآية الكافر المقتول، وإنما المراد بها المؤمن المقتول، وقد تقدم بيان صحة هذا القول، ورجحانه على غيره.
٢ - أن (الدية) اسم لما يعطى عوضاً عن دم القتيل إلى وليه. فلفظ (الدية) لفظ مجمل لا تعلق له بالمقدار.
ومثال ذلك قول القائل: (من أتلف ثوباً فعليه ضمانه، ومن أتلف دماً فعليه ضمانه) فهذا اللفظ لا يفهم منه المساواة في المقدار ولا التفاوت فيه، وإنما يعلم ذلك من بيان آخر.
(١) المغني لابن قدامة (١٢/ ٥٢).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٣٦).