فإن قيل: قال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} الكهف:٧٩. فسماهم مساكين، وأثبت لهم ملك السفينة، والفقراء خلافهم: وهم الذين لا يملكون شيئاً.
قيل له: قد رأينا الله سبحانه وتعالى سمى من لا يملك شيئاً مسكيناً. بقوله: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} البلد:١٦ وهو الذي قد أفضى إلى التراب، فلم يكن له ما يغنيه عنه، فقد صار مستحقاً لاسم المسكنة، بمرتبة سفلى وبمرتبة أعلى منها، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} البقرة:٢٧٣، فوصفهم بالحصر في سبيل الله وبالمنع بالخروج منه إلى غيره، وقد أحطنا علماً أنهم لم يدخلوا في سبيل الله خالين من سلاح يقاتلون به، ولا عراة من ثياب تواريهم، يؤدون فيها فرائض صلواتهم.
وقد قال الراعي:
أما الفقير الذي كانت حَلُوبَتُه ... وفق العِيَال فلم يترك له سَبَدُ (١)
فسماه فقيراً مع ملكه للحلوبة، فثبت بذلك أن الفقير قد يملك وقد لا يملك، وكذلك المسكين، وإن الاسمين بمعنى واحد.
وقد قال بعض أهل اللغة: هو الذي يجد الشيء الذي لا يغنيه، وإن المسكين هو الذي لا يجد شيئاً.
فيقال له: قد قال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} الكهف:٧٩. فدل أن المسكين قد يملك وقد لا يملك، بقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} البلد:١٦، والفقير أيضاً قد يملك بما دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} البقرة:٢٧٣، مع وجودهم ما يأكلون وما يلبسون وما يقاتلون به، وقد سمي فقيراً وهو ممن أفضى به الفقر إلى التراب.
(مختصر اختلاف العلماء-٥/ ٢٨ - ٣١)
(١) ديوان الراعي عبيد بن حصين بن جندل النميري (٦٤). ومعنى كلمة (سَبَدُ) أي: قليل - ومنه قولهم: (ماله سبدٌ ولا لبدٌ) بفتح الباء فيهما،
أي: ماله قليل ولا كثير - (مختار الصحاح (مادة - س ب د - ١٤١).