فهذه وجوه التقديم والتأخير في كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئًا فإنه معلوم الحال ولاحق بما قدمناه.
وأما الفروق١ والفصول فمعلومة المواقع٢ أيضًا.
فمن قبيح الفرق بين المضاف والمضاف إليه, والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبيّ, وهو دون الأول, ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف نحو قولك: كان فيك زيد راغبًا, وقُبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق:
فلمّا للصلاة دعا المنادي ... نهضت وكنت منها في غرور٣
وسترى ذلك.
ويلحق بالفعل والفاعل في ذلك المبتدأ والخبر في قبح الفصل بينهما.
" وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتصالًا قوي قُبْح الفصل بينهما"٤.
فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:
فقد والشك بَيَّن لي عناء ... بوشك فراقهم صُرَدٌ يصيح٥
١ كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الفرق".
٢ كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "المواضع".
٣ هذا من غزل قصيدة يمدح فيها الوليد بن عبد الملك. وقد ذكر أنه زاره طيف محبوبته في المنام, وهو يقول فيه قبل هذا البيت:
فبت معانقًا أرنو وأرني ... ومرات على كفل وثير
وبتنا في الرداء معًا كأنا ... لنا ملك الخورنق والسدير
فقوله: "نهضت" أي: هببت من نومي وأيقظني أذان الفجر, وقوله: "وكنت منها في غرور" أي: كان متاعه بمحبوبته الحلم, فكان ذلك باطلًا. وانظر الديوان ١/ ٣٤٩, والفصل فيه بين المضاف والمضاف إليه مبني على أن "لما" اسم بمعنى حين، مضاف إلى جملة "دعا المنادي" والعامل فيه "نهضت".
٤ سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
٥ انظر ص٣٣١ من الجزء الأول.