قال القرطبي: «وهذا ليس بتصريح بالسبِّ؛ وإنَّما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت، وأذعن، وعرف الحق لمستحقه» (١).
قال النووي: «قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبِّ علي، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورعا؟ أو خوفا؟ أو غير ذلك؟ فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب؛ فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك؛ فله جواب آخر، ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال» (٢).
وأما القاضي عياض فإنه زاد على ذلك: أنه «ربما أراد معاوية أن يستخرج من سعد مثل ما استخرج مما حكاه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون له حجة على من سبه ممن ينضاف إليه من غوغاء جنده، فيحصل على المراد على لسان غيره من الصحابة» (٣).
وهناك تأويل آخر:
قال القاضي عياض: «من الممكن أنه أراد السب الذي هو بمعنى التغيير للمذهب والرأى، وقد سمى ذلك في العرف سبا، ويقال في فرقة: إنها تسب أخرى إذا سمع منهم أنهم اخطؤوا في مذاهبهم، وحادوا عن الصواب، وأكثروا من التشنيع عليهم» (٤).
وعلى هذا التأويل قال النووي: «فيكون معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ؟» (٥).
ومع هذا: فمع افتراض صحة تأويل من رأى ذلك حملا على السب على ظاهره؛ فيُتوجه إلى أنه طلب للسب على التقصير في تسليم قتلة عثمان لمعاوية.
(١) المفهم لما أُشكل من تلخيص مسلم (٦/ ٢٧٩).
(٢) شرح صحيح مسلم (١٥/ ١٧٥ - ١٧٦).
(٣) إكمال المعلم (٧/ ٢١٠).
(٤) إكمال المعلم (٧/ ٢١٠).
(٥) شرح صحيح مسلم (١٥/ ١٧٥ - ١٧٦).