بالشهادة: العلم، ويريد بالعلم: المجازاة؛ لقوله: {ثُمَّ} وهي تقتضي الترتيب والمهلة، وعلم الله ليس زمانيّا ولا متأخرا عن شيء {فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ} فيه وجهان: أحدهما:
جاء في الدنيا وأظهر المعجزة، فكذبوا وأذن له في الدعاء عليهم {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} في إهلاكهم. والثاني: فإذا جاء رسولهم في موقف القيامة فشهد عليهم بما عاملوه به من التكذيب؛ كقوله: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (١) قضي بينهم بشهادة نبيهم. {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي} دفع ضرر ولا جلب نفع. {إِلاّ ما شاءَ اللهُ} (٨٧ /أ) أن يملكني. وكان بعض المتأخرين يقف على قوله: {فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً} ويقول: انتهى جواب إذا، ويستحيل أن يكون قوله: {وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} جوابا؛ لاستحالة تقدم العذاب عند فرض مجيئه؛ لقوله: {إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ} فيقال له: وكذلك يستحيل تأخيره بعد مجيء الأجل المذكور. فإنه لو تأخر لم يكن الذي جاء أجلا (٢).
البيات: هو الإغارة على العدو ليلا وهم غافلون. {أَوْ نَهاراً} وهم ينظرون، ومثله قوله: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ} من القيلولة. وقوله:
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً} الآيتين (٣).
أي شيء يستعجل منه المجرمون؟ ولا شيء من الخير في مجيء العذاب فلا وجه لاستعجاله، وقد أنكر عليهم أنهم يؤمنون عند نزول العذاب الذي استعجلوه بقوله:
{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ} الآية، و (ثم) مجاز، استعير التباعد في الرتبة للتباعد في الزمان؛ كقوله:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} (٤). {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (٥) {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها} (٦) وقول الشاعر من الطويل:
ولا يكشف الغمّاء إلا ابن حرّة ... يرى غمرات الموت ثمّ يزورها (٧)
(١) سورة النحل، الآية (٨٤).
(٢) ينظر: منار الهدى في الوقف والابتدا للأشموني (ص: ١٧٧).
(٣) سورة الأعراف، الآيتان (٩٧، ٤).
(٤) سورة البقرة، الآية (٧٤).
(٥) سورة الأنعام، الآية (١).
(٦) سورة الجاثية، الآية (٨).
(٧) البيت لجعفر بن علبة الحارثي ينظر في: تاج العروس للزبيدي (غمى)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٩٩)، ديوان الحماسة (١/ ١٠)، روح المعاني للألوسي (٢١/ ١٣٦)، الكشاف -