مريم؟ فالجواب: أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن تمنّي الموت لضر نزل، ولم تكن مريم بهذه الصورة، وإنما خافت أن تسرع إليها التهمة، فيحصل لخلق كثير الضّرر بوقوعهم في تهمتها، والنسيّ: هو ما يهمل من أثاث البيت عند الرحيل كالعصيّ المكسورة والصحفة المكسورة، وأكثر الناس يتركها مهملة ولا يستصحبها في السفر، وتقول العرب عند السفر لغلمانهم:
اجمعوا أنساءكم، وهو جمع نسي، كحمل وأحمال وعدل وأعدال. {فَناداها} جبريل، وكان قد جلس بالقرب منها في أسفل الوادي ويدل عليه قراءة من قرأ {فَناداها مِنْ تَحْتِها} بكسر ميم (١) {مِنْ} وقيل المنادي عيسى، ناداها وهو في بطنها والأول أظهر؛ لأن عيسى لم يوجد بعد.
في السري قولان: أحدهما: أنه النهر، قال لبيد بن ربيعة (١١٣ /أ) من الكامل:
فتوسّطا عرض السّريّ فصدّعا ... مسجورة متجاورا قلامها (٢)
والثاني: أن السرى هو السيد، وهو متجه إذا قلنا: إن المنادي عيسى.
وكان الحسن يقول: "كان والله عيسى سريّا" (٣)،ومنه: سراة الناس، بفتح السين:
سادتهم وعلى القول الأول: فكلي من الجنيّ واشربي من السّريّ، وقالوا: ما للنفساء أجود من الرطب (٤). وفي نصب {رُطَباً} وجهان: أحدهما: أنه تمييز، أي: تساقط هذا
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة ورويس "من تحتها"، وقرأ باقي العشرة "من تحتها".
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ١٨٣)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٣٧)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٤٤١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٤٩٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٠٨)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٥٠٧)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣١٨).
(٢) ينظر البيت في: روح المعاني للألوسي (١٦/ ٨٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٣)، لسان العرب (وسط)، معاني القرآن للنحاس (٤/ ٣٢٥) والبيت يصف فيه الشاعر حمارا وحشيا مضى خلف أتانه نحو الماء، فتوسطا: الحمار والأتان، عرض السري: ناحية النهر الصغير وجانبه، فصدعا: شقا، ومسجورة: عينا مملوءة، والقلام - كرمان -: نوع من النبات، ومتجاورا قلامها: كثير النبات.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١٦/ ٧٠)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٠٢) لابن أبي حاتم.
(٤) ورد في ذلك بعض الآثار منها ما رواه الطبري في تفسيره (١٦/ ٧٢) عن عمرو بن ميمون أنه قال:
"ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب"، وذكر السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٠٥) ونسبه لعبد بن حميد عن شقيق قال: "لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به". ونسب لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن خيثم قال: "ليس للنفساء عندي دواء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل".