وقال الرّقاشىّ، وقد نظر إلى جعفر وهو مصلوب على جذعه (١):
أما والله لولا خوف واش … وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا … كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى … حساما فلّه السيف الحسام
على اللّذّات والدنيا جميعا … لدولة آل برمك السّلام
فاستدعى به الرشيد، وقال له: ويحك، ما حملك على ما فعلت؟
قال: تحرّكت نعمته بقلبى (٢) فلم أصبر.
قال: كم كان يعطيك جعفر (٣) كلّ عام؟
قال: ألف دينار. فأمر له بألفى دينار.
وروى الزّبير بن بكّار (٤)، عن عمّه مصعب بن الزبير، قال: لمّا قتل جعفر بن يحيى، وقفت امرأة على حمار فاره، فقالت/بلسان فصيح: والله لئن صرت اليوم آية، فلقد كنت فى الكرم غاية، ثم أنشأت تقول:
ولمّا رأيت السيف خالط جعفرا … ونادى مناد للخليفة فى يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت أنّما … قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا
وما هى إلا دولة بعد دولة … تخوّل ذا نعمى وتعقب ذا بلوى
إذا أنزلت هذا منازل رفعة … من الملك حطّت ذا إلى الغاية القصوى
قال: ثم حرّكت حمارها، فكأنّها كانت ريحا، لا أثر لها، ولا يعرف أين ذهبت.
وقيل: إن الأبيات هذه للعبّاس بن الأحنف (٥).
وروى الخطيب (٦) أن أبا يزيد الرّياحىّ، قال: كنت قائما عند خشبة جعفر بن يحيى البرمكىّ أتفكّر فى زوال ملكه، وحاله التى صار إليها، إذا أقبلت امرأة راكبة لها رواء
(١) البداية والنهاية ١٠/ ١٩١، وتاريخ بغداد ٧/ ١٥٨.
(٢) فى تاريخ بغداد: «فى قلبى».
(٣) فى تاريخ بغداد: «عطاؤك».
(٤) البداية والنهاية ١٠/ ١٩٢، تاريخ بغداد ١٦٠،٧/ ١٥٩.
(٥) ليست فى ديوانه.
(٦) تاريخ بغداد ١٥٩،٧/ ١٥٨.