بغداد، اجتمع إليه أهلها، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن، أنت رجل عجمىّ، ليس يكلّمك أحد إلاّ قطعته، لأىّ معنى!!
فقال حاتم: معى ثلاث خصال بها أظهر على خصمى.
فقالوا: أىّ شئ هى؟
قال: أفرح إذا أصاب خصمى، وأحزن له إذا أخطأ، وأحفظ نفسى لا تتجاهل عليه.
فبلغ ذلك أحمد ابن حنبل، فقال: سبحان الله، ما أعقله من رجل.
وحدّث أبو جعفر الهروىّ (١)، قال: كنت مع حاتم وقد أراد الحجّ، فلمّا وصل إلى بغداد، قال لى: يا أبا جعفر، أحبّ أن ألقى أحمد ابن حنبل.
فسألنا عن منزله، ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب، فلمّا خرج قلت: يا أبا عبد الله، أخوك حاتم.
قال: فسلّم عليه، ورحّب به، وقال بعد بشاشة به: أخبرنى يا حاتم، فيم التّخلّص من الناس؟
قال: يا أحمد، فى ثلاث خصال.
قال: وما هى؟
قال: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا، وتقضى حقوقهم ولا تستقضى أحدا منهم حقّا لك، وتحتمل مكروههم ولا تكره أحدا منهم على شئ.
قال: فأطرق أحمد ينكت بأصبعه (٢) على الأرض، ثم رفع رأسه. وقال: يا حاتم:
إنّها لشديدة.
فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم.
وروى الخطيب (٣) بسنده إلى الحسن بن علىّ العابد، أنه قال: سمعت حاتما الأصمّ، وقد سأله سائل: على أىّ شئ بنيت أمرك؟
فقال: على أربع خصال، على أن لا أخرج من الدنيا حتى أستكمل رزقى، وعلى أنّ
(١) تاريخ بغداد ٨/ ٢٤٢.
(٢) تكملة من تاريخ بغداد.
(٣) تاريخ بغداد ٨/ ٢٤٣.